الرسالة
تأليف: كارولينا كورتيس
ترجمة: رامز الحداد
عندما استلمت الزوجة الرسالة كانت قد انتهت من إعداد البيض المخفوق بالفاصولياء و قطع لحم الخنزير. كانت امرأة في ريعان الشباب، امرأة لم تحظ بنعيم حقيقي منذ زمن طويل، لكنها لا تتمنى لنفسها ذلك. سمعت صوت المفاتيح بقفل الباب، اتبعه صوت زوجها الجاف:
- هذه الرسالة لك، كانت في صندوق البريد.
كان زوجها ذا مزاج عكر. لم تكن الرسالة تحوي على اسم المرسل وعنوانه كما لاحظ الزوج حين تفقدها قبل أن يسلمها إيّاها. و بينما كان يخلع معطفه، تحدث كعادته عما عاناه في يومه، وكيف أنه سيقوم بطلب إجازة لأنه متعب جداً من العمل. فحسب ما يقول أن ما يبقيه واقفا على قدميه هي تلك الجرعات التي يشربها من الكحول بين الفينة والأخرى.
- لست بحاجة لأعذارك – تمتمت – فأنا أعرفك جيداً.
كانت قد ضاقت ذرعا بوابل الشكاوي اليومي، خاصة عندما يأتي للبيت مثقلا برائحة نفسه المشبوهة. لكنها في نهاية المطاف يجب أن تصبر عليه فهو ما يزال زوجها. ارتمى على مقعدٍ قديم ثم أردف قائلاً:
- تظنين أنك ذكية ها! الزوجة الكاملة!
تزامن ذلك مع تفحصها للخط المكتوب على مغلف الرسالة التي بين يديها.
- يا الهي! انتفضت.
ابتدأ قلبها بالخفقان بقوة، فمنذ وقت طويل لم تر فيه ذلك الخط، ومع ذلك تعرفت عليه بلحظتها. كانت مضطربة لدرجة أن زوجها لاحظ ذلك فقال مقطباً حاجبيه:
- اها! لدينا أسرار هنا، ممن هذه الرسالة إذا كان باستطاعتي المعرفة؟
ترددت قبل أن تجاوب:
- لا شيء ذا أهمية، إنها ملاحظة من الحانوتي، يبدو أن له دين علينا.
ولكي تخفي اضطرابها توجهت ناحية المطبخ ورجعت بصينية الطعام.
- هاك العشاء- قالت- تناوله قبل أن يبرد.
عادت إلى المطبخ مجدداً من ثم فتحت المغلف بيديها المرتعشتين، بينما كان عقلها الحائر يحاول إيجاد تفسير منطقي لهذه الرسالة. لأنها وبعد ردح من السنين قد أحيت مشاهد لم تعد حتى تذكرها.
- هذا خط يده، لا مجال للشك – قالتها بينما كانت الرؤيا لديها قد تعكرت.
كانت رسالة من عشيقها السابق حبها الحقيقي العظيم. حاولت استجماع قواها ودون حتى أن تجلس ابتدأت بالقراءة:
" عزيزتي، سوف تستغربين من رسالتي هذه. فبعد انتظار طويل ظهر شئ لم يكن بالحسبان، شئ مهم جداً لكلينا، فغداً يتوجب عليّ الإبحار إلى الولايات المتحدة، فقد ظهر لي هنالك ميراث وفير، لم يكن المال طموحي أبدا لكن ذلك يعني أننا لن نفترق بعد الآن."
من ثم دعاها للذهاب معه، دون أن تأخذ بالحسبان ما سوف يقوله الآخرون. فقط ما يهم هو أن تكون معه فقد كان مقتنعا أنه من لا يستطيع العيش من دونها. لكن إذا لم تحضر للقاء في المكان والساعة المحددين فسوف يفترض بأنها رفضت عرضه.
- هذا الطعام عديم الطعم – سمعته من غرفة الطعام – أحضري الملح.
- أنا ذاهبة، أنا ذاهبة، أجابته مخفية الرسالة.
بالكاد تذكرت كيف حدثت الأمور، تذكُرُ فقط الأوقات العصيبة التي قضتها عندما اختفى ذلك الشاب من حياتها دون أية تفسير، والآن....
- هل سوف تحضرين الملح أم لا ؟ كرر الزوج بفمه الممتلئ.
- أنا ذاهبة، أنا ذاهبة.
بعد أن أعطته المملحة، توجهت إلى الحمام وأغلقت الباب من الداخل، فهي تحتاج للاختلاء بعض الوقت بنفسها لكي تفكر. تأكدت من أن المزلاج مقفل وأخرجت الرسالة من جديد حيث كانت قد جعدتها في جيب المئزر.
الآن أدركت أنه لم ينسها- فما هي الظروف التي طغت على حياته؟- أدركت أيضاً شيئاً آخر أنها ما تزال تحبّه. حاولت أن تتخيل الموقف في الواقع، وفجأة شعرت بالرعب من هجر زوجها لكي تدرك اللقاء معه. قلبت الورقة فوجدت ملاحظة مكتوبة بقلم الرصاص تقول:
" إذا لم ترافقيني فسأجزم أنك تتخلين عن حبّي وبالمقابل سأعمل على نسيانك." ووجدت أيضاً تاريخاً قديماً منذ الثالث عشر من أيار لعام ألف وتسعمائة واثنين وسبعين.
في غرفة الطعام كانت الساعة تشير إلى الواحدة ليلاً.